السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دمعة في فرح
امتلأت الغرفة بالمهنئات... أنظر إلى زميلاتي وقريباتي ...
الكل يُسلم .. ويبارك .. بارك الله لكما وبارك عليكما .. وجمعبينكما في خير .. ويدعو بالتوفيق والذرية الصالحة ..
بعد دقائق .. جلست وحيدة أترقب القادم ... سقطت من عيني دمعة عندما تذكرتُ أمي وهي تدعو لي بالزوج الصالح كأنني في حلم ..
رجعت بالذاكرة سنين طويلة .. صباح ذلك اليوم .. أينأمي؟ أين ذهبت ... ؟ ارتفع صوتي أطول من هامتي ..
فأنا ابنة خمس سنين أعدتُ السؤال .. أين أمي ..؟ كانت الدموع .. الجواب هناك من أضاف .. بصوت ضعيف .. قطعه البكاء ذهبت إلى الجنة إن شاء الله .. لا أعرف في ذلك اليوم .. من أبكى الآخر .. ؟
أنحن أنا وأخي صاحب ثلاث السنوات .. أم بكاء من حولنا ؟ أمسكت بيد أخي نبحثعن أمنا تعبت أقدامنا من الجري هنا .. وهناك .. صعدنا إلى الدور العلوي .. طرقنا أبواب الغرف جميعاً .. ذهبنا إلى المطبخ .. ورغم التعب .. لم نجدها .. عندنا .. تأكدتُ أن أمي ليست في المنزل ضممتُ أخي إليَّ .. وبكيت من التعب والإرهاق غفونا ... بعد ساعة أو ساعتين .. أمسكتُ بيد أخي ... لنعيد البحث ... لم نجدها في المنزل .. رغم كثرة النساء لقد كانت ملء السمع والبصر .. ولكن أين اختفت .. ؟
بعد صمت طويل .. ووقوف مستمر .. تذكرتُ بفرح .. هناك مكان لم نبحث عنه فيها .. إنه ظلالشجرة .. كانت تُحب ذلك المكان .. بسرعة أجري تعبنا من نزول الدرج .. وسقط أخي منشدة جذبي له .. ولكننا في النهاية .. لم نرى سوى الشجرة .. نظرت أعلى الشجرة .. وبقايا زرع كانت تُحبه ولكن أين أمي .. ؟
فجأة .. تعالت الأصوات .. رأيتالرجال وقد تنادوا أطرقت سمعي .. وأشخصت بصري .. لحظاتٌ من الحركة السريعة .. مروامن أمامنا يحملون شيئاً على أكتافهم قلت لأخي حين سألني .. ما هذا ؟ قلت ببراءةالأطفال .. هذا شيء ثقيل .. فالكل يشارك في حمله .. لم أكن أعرف أن تلك المحمول .. هي .. أمي .. وإلا لأمسكت بها .. ولم أدعها تذهب .. اختفى الرجال .. هدأت الأصوات .. وساد الصمت .. جلسنا نلعب في التراب بطمأنينة .. في ظل الشجرة .. كعادتنا عندما تكون أمي بجوارنا .. هذا أول يوم نخرج فيه إلى الحديقة بدون حذاء .. نعطش فلا نجدالماء .. أقبلت إحدى قريباتي وأخذتنا معها إلى الداخل ..
في صباح اليوم التالي .. بدأنا مشوار البحث في كل مكان .. استجمعت قواي .. قلت لأخي وهو يبكي حولي .. سترجع أمي .. وستعود .. وستعود .. هبت جدتي مسرعة عندما ارتفعت أصواتنا بالبكاءضمتنا إلى صدرها مازالت أتحسس دمعتها التي سقطت على رأسي .. كلما شاهدت أُماًقبلتها .. فيها رائحة أمي .. تذكرت يوماً .. أنها قالت لي عندما أغضبتها سأذهب .. وأترككم مازلتُ أتذكر حين أتينا لزيارتها في المستشفى .. بجوار سريرها .. حملني أبي .. وقال لها .. هذه (أروى) ضمتني وقبلتني .. ثم قبلت أخي .. تساقطت دموعها وهي تضغطعلى يدي الصغيرة ... وتقبلها بقوة كل يوم يطرف سمعي .. آخر صوت سمعته منها .. أستودعكما الله الذي لاتضيع ودائعه .. ثم أجهشت بالبكاء .. وغطت وجهها ..
أخرجونا من غرفتها .. ونحن بكاءٌ .. ودموع .. بعد رحيلها بدأنا .. رحلةالتنقل .. رحَلتُ .. من دار كان فيها أبٌ وأمُ .. وأخ .. رحَلت ونحن رحلنا .. بعدخمس سنوات .. رجعتُ إلى دار أبي .. قادمة من بيت جدتي .. أنا .. وأخي ..
أمرأةٌ في بيت أبي ؟! .. قال أبي .. هذه أسماء .. سلموا عليها .. ليست أمي .. لكنها نعم الزوجة لأبي .. اهتمت بتربيتنا تربية صالحة .. حرصت على متابعة دراستي .. بدأت تحثني على حفظ القرآن .. اختارت لي الرفقة الصالحة .. هيأت لي ولأخي .. مانريد .. بل أكثر من ذلك .. أحيانا كثيرة نُغضبها .. لكن رغم ذلك .. كانت المرأةالصبور .. العاقلة .. لم تُضيع دقيقة من عمرها بدون فائدة .. لسانها رطبٌ من ذكرالله .. جَمعت بين الخُلُق والدين .. ملأت فراغاً كبيراً في حياتنا .. هذه هوتفسيرها للمعاملة الطيبة ..
عندما سألتها فيما بعد .. قلت لها .. أنتِتختلفين عن زوجات الآباء فأين الظلم .. وأين المعاملة السيئة ؟
قالت أخافالله .. وأحتسب الأجر في كل عملٍ أقوم به .. أنتم أمانة عندي .. لاتعجبي .. حتى فيترتيب شعرك أحتسب الأجر ..
ثم يا أروى .. كم تحفظين من القرآن .. ؟ أليس ليأجرٌ إن شاء الله في ذلك .. أليس لي أجرٌ في تربيتك التربية الصالحة .. كل ماعملته .. ابتغاء مرضاة الله .. وأضافت .. كما أن الإنسان يطلب الأجر والمثوبة في العبادات كالصوم والصلاة .. فإنه يطلبها في المعاملة .. المسلم يا بنيتي مطالبٌ بالمعاملةالحسنة .. قاطعتها .. ولكننا نتعبك .. وقد نضايقك .. يا أروى .. في كل عمل تعبٌ ونصبٌ .. الجنة لها ثمن .. تعلمين أن في الصيام تعباً وفي الحج مشقة .. والله سبحانه وتعالى يقول { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} ..
ما ترينه حولك من ظلم زوجات الآباء لن يمردون حساب .. بل حسابٌ عسير .. ما ذنبُ يتيم يُظلم .. وصغيرٍ يُقهر الظلم ظلماتٌ يومالقيامة قلت لها .. والعبراتُ تخنقني .. هذه دعوة أمي رأيتها في حُسن معاملتك لنا .. فالله لا تضيع ودائعه .. فجأة .. طُرق الباب .. دَخلت زوجة أبي .. سلِّمت .. وباركت قبلتُ رأسها .. ولها عندي أكثر مثال المرأة المسلمة قالت .. ودمعةٌ منهاتُودع .. لاتنسي أن تحتسبي عند الله كل عملٍ تقومين به .. ثم أضافت على عجلٍ لاتفارقه الإبتسامة .. لقد حفظت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيللها .. ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت" ..
قلت في نفسي ..
ماأخطأ أبي حين تزوج امرأة صالحة ..